0 تعليق
299 المشاهدات

متلازمة «ريت»… قابلة للشفاء؟

ارشيفية
صحيح أن متلازمة {ريت} مرض نادر، إلا أن ذلك لا يجعلها أقل أهمية. تعود هذه المتلازمة إلى طفرة في إحدى الجينات في الصبغي X (تُدعى MeCP2). بحسب الباحثين، من الممكن تصحيح هذا الخلل في حالة الفئران: فهل ينجح ذلك في حالة البشر أيضاً؟ يتوافر بروتين MeCP2 في أنحاء الجسم، ويتركّز خصوصاً في الدماغ، ويعمل بتغيير وظائف جينات أخرى، أو ما يُدعى عملية التخلّق. بما أن النساء يحملن صبغيي X، يتوقف أحدهما عن العمل في كل خلية. لذلك، إن عانت الفتاة متلازمة {ريت} يكون نحو نصف خلايا دماغها سليماً. أما الصبية الذين يحملون صبغي X واحداً، فتكون كل خلاياهم غير طبيعية ويموتون قبل الولادة. تنمو الفتاة التي تعاني متلازمة “ريت” بشكل طبيعي. ولكن مع بلوغها الثانية من عمرها، تبدأ بخسارة قدرتها على الكلام والحركة، تُصاب بنوبات وأنماط تنفس غير طبيعية تترافق مع تراجع معرفي خطير وبعض صفات التوحد (مع أن متلازمة ريت ما عادت تُصنَّف كأحد اضطرابات طيف التوحد). قد تعيش هذه الفتاة حتى مرحلة متقدمة من سن البلوغ، إلا أنها تحتاج إلى رعاية متواصلة. من الممكن تعديل الفئران لتعاني طفرة مماثلة في MeCP2، فتصاب بالأعراض ذاتها، بما فيها مشاكل الحركة المعتادة، النوبات، واضطرابات التنفس. كذلك تموت هذه الفئران في سن صغيرة نسبياً. لكن دراسة دماغها الدقيقة أظهرت أن ما من إشارات إلى ارتفاع معدل موت الخلايا العصبية في هذه الحالة، بخلاف اضطرابات الدماغ التنموية الأخرى. فتملك هذه الفئران عدداً طبيعياً من الخلايا العصبية. ولكن يبدو أن هذه الخلايا تعجز عن تطوير هالة طبيعية من التعصنات، وهي تفرعات تخرج من الخلايا العصبية وتتيح لها الاتصال بخلايا عصبية أخرى، مؤلفة بالتالي الشبكات التي تميز الدماغ. وهكذا، لا يتراجع عدد خلاياها العصبية، إلا أنها تعجز عن التواصل بشكل فاعل. عملية تعافٍ ما المثير للاهتمام اليوم؟ برهن أدريان بيرد وزملاؤه من إدنبره أنهم، إن استبدلوا جينة طبيعية بالجينة المفقودة التي تعاني طفرة، حتى بعد إصابة الفئران بنوعها من متلازمة ريت، يطلقون عملية تعافٍ مذهلة. عند ذلك، تستطيع الفئران السير بشكل طبيعي مجدداً، يتحسّن تنفسها، ولا تموت في سن مبكرة. كذلك أظهر فحص دماغها أن تغصنات الخلايا العصبية عاودت النمو لتبدو طبيعية تقريباً. ولا شك في أن هذا مثال مذهل على مرونة الدماغ على المستويين العضوي والوظيفي، فضلاً عن قدرتنا غير المتوقعة على إصلاحه. ولكن هل من الممكن تطبيق هذا الاختبار على متلازمة ريت في حالة البشر؟ تعِد تقنيات العلاج الجيني والتحرير الجيني الحديثة بالكثير. كذلك ثمة أسباب كثيرة تدفعنا إلى الاعتقاد بأن من الممكن تحقيق ذلك باستبدال الجينة المشوَّهة أو تنشيطها، ما يؤدي على الأرجح إلى عملية التعافي المذهلة ذاتها في حالة الفتيات اللواتي يعانين متلازمة ريت كما الفئران. كذلك، قد نتمكّن من تطوير أدوية تحاكي عمل MeCP2، بعد أن أدركنا اليوم تأثيرها ووظائفها. وإن نجح العلماء في معالجة متلازمة ريت بهذه الطريقة، فمن المؤكد أن هذا الأمر سيفتح باب الأمل في حالة الاضطرابات الجينية الأخرى، خصوصاً تلك التي تحمل خصائص مشابهة لمتلازمة ريت. ولا شك في أن هذا احتمال مشجِّع ومثير للاهتمام. يعرب الدماغ في ظل ظروف معينة عن مقدرات مذهلة على التعافي، ما يولد الأمل بالتوصل إلى علاجات أكثر فاعلية لمجموعة من الحالات العصبية. أندرياس ريت كان أندرياس ريت (1924-1997) عالم أعصاب نمساوياً لم يشتهر لوصفه هذه المتلازمة التي تحمل اسمه فحسب، بل كان أيضاً في طليعة مَن روّجوا لرعاية بناءة، فاعلة، ومتعددة المستويات للأولاد الذين يعانون إعاقات عصبية تنموية. كذلك يُعتبر ريت أول مَن فتح داراً للرعاية بهؤلاء الأولاد في فيينا عام 1951. لكنه واجه معارضة قوية على الصعيدين المهني والسياسي في ثقافة ما كانت تملك أي تعاطف في تلك الحقبة مع الجهود التي تُبذل للرعاية بالأولاد. كان ريت عضواً في حركة شباب هتلر، مع أنه ما كان قد تجاوز التاسعة من عمره عندما استلم النازيون زمام السلطة. كذلك عانت سمعته الكثير بعد وفاته لأنه، بخلاف الآخرين، لم ينفِ علانية مطلقاً أو يقرّ بتورطه، مهما كان هامشياً، في ماضي النمسا المريع. مات ريت قبل اكتشاف الآلية الجينية وراء متلازمته. هدف ممكن رغم التقدم الكبير الذي شهده علم الأحياء الخلوي والجزيئي في السنوات الأخيرة، إلا أن وعد العلاج الجيني ما زال بعيد المنال. أمل الباحثون أنهم، باكتشافهم أن عيباً جينياً يسبب الاضطراب (مثل التليف الكييسي)، قد يتمكنون من معالجته باستبدال الجينة المتضررة. صحيح أننا نملك اليوم عدداً من أساليب تعديل الجينات التي لا تزال قيد التجربة، لكن الباحثين لم يحققوا نجاحاً كبيراً في نقلها إلى إطار سريري لمعالجة البشر. إلا أن متلازمة ريت قد تشكّل هدفاً ممكناً، خصوصاً مع توافر أساليب جديدة للتحرير الجيني في الآونة الأخيرة. تُعتبر اضطرابات الجينة الواحدة نادرة، إلا أن معالجتها بفاعلية لن تريح مَن يعانونها من إعاقة كبيرة فحسب، بل ستمهد الدرب أيضاً أمام تطبيقات أوسع تشمل أعراض أمراض أخرى. إذاً، ستشكل معالجة متلازمة ريت، إن تحولت إلى حقيقة، إنجازاً كبيراً جداً.       المصدر : جريدة الجريدة

اترك تعليقك :

كتـاب الأمـل

+
أ. ياسمين القلاف
ياسمين القلاف
2016/08/20 583 0
36e305f5-e802-45ab-9e2b-898785186122_thumb.jpg
عذراء الرفاعى
2016/06/13 442 0
يوسف الزنكوي
يوسف الزنكوى
2016/06/10 413 0