0 تعليق
1090 المشاهدات

الامتناع عن الطعام عند التوحديين



[B]يتميز شهر رمضان المبارك عن بقية الشهور بتقرب المسلمين في شتى أرجاء المعمورة إلى الله صياماً وقياماً استجابة لأوامره سبحانه وتعالى، تاركين المباح، ومجتنبين المنكرات، مقبلين على الصلوات وتلاوة القرآن، راجين بذلك مغفرة ورحمة من الله تعالى. هناك صائمون يعانون من صعوبة في ضبط النفس والإمساك عن الطعام والشراب* وليس ذلك فقط بل يشتكي البعض من عدم قدرته على السيطرة على جوارحه وضبط لسانه والمحافظة عليه من الذنوب خاصة أثناء اجتماعه برفقائه. فطبيعة الإنسان الاجتماعية ورغبته في جذب انتباه الحاضرين إليه وعكس روح الدعابة في شخصيته واهتمامه برأي رفقائه فيه يجعله يستخدم الأساليب المشروعة وغير المشروعة في سبيل تحقيق حب الناس له وإعجابهم به. قد يتساءل العديد من القراء عن ماهيّة ارتباط الصيام بالتوحد ويستغرب طرحنا لهذا الاضطراب المعقد من وجهة نظر عملية وعبادة دينية* المتعارف عليه أن الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والملذات الأخرى طوال فترة النهار وحتى وقت مغيب الشمس. أما التوحد فهو أحد الاضطرابات النمائية المعقدة والتي مازالت تحير العلماء والمختصين من أكثر من خمسين سنة حيث يتمثل بضعف في التفاعل الاجتماعي وصعوبات في التواصل وعدم القدرة على اللعب كبقية الأطفال الآخرين. فما هي أوجه التشابه والاختلاف بين الشخص المصاب بالتوحد والشخص الطبيعي الصائم* كلاهما يصوم لكن لأسباب مختلفة وبطرق مختلفة وعلينا أن نوضح ذلك كما يلي: بعض أوجه التشابه: * الكلام * الغذاء * بقية الملذات المباحة الصائم: * صيام جزئي عن الكلام الذي يجرح الصوم * الامتناع عن الطعام والشراب لمدة محدودة * الامتناع عنها لمدة محدودة المصاب بالتوحد: صيام كلي (%50 من المصابين بالتوحد غير ناطقين، والبقية يواجهون صعوبات في التواصل اللفظي). الامتناع عن أنواع عديدة من الطعام والشراب لأسباب حسية وقد تكون سلوكية روتينية. (اضطراب السلوك والمشاعر من أبرز صفات التوحد، فما يقارب ال%80 من المصابين بالتوحد يعانون من التوتر الذي يؤثر على سلوكهم) الامتناع عن التواصل الاجتماعي مع الآخرين في أغلب الأحيان (عدم وجود علاقات اجتماعية طويلة المدى كالصداقات) بعض أوجه الاختلاف: * الإرادة * مدة الصوم * الفئة العمرية لوجوب الصيام * النتائج * الصائم * صائم بإرادته في استعمال جوارحه محدودة * ابتداءً من سن البلوغ * فوائد صحية ونفسية ودينية المصاب بالتوحد صائم بدون إرادته: غير محددة وقد تمتد مدى الحياة من الممكن حدوثه قبل سن الثانية عرقلة للقدرات التطورية مما تسبب تراجع في القدرات والكفاءات إن إيجاد أوجه التشابه والاختلاف بين صيام رمضان وما طرحناه مجازاً باسم "صيام التوحد"، وكذلك مقارنة الشخص المصاب بالتوحد بالشخص الصائم كان للأسباب التالية: 1- إن قيمة الصيام لا تقتصر فقط على معايشتنا لكل ما يعانيه الفقراء والمحتاجين من جوع وعطش ونقص في الحاجات الاساسية، وإنما أيضا أن نستشعر ما يعانيه الأشخاص المصابون بالتوحد وماذا يعني فقد التواصل مع الآخرين بصورة دائمة، وماذا يعني عدم القدرة على التعبير عن النفس وصعوبة التفاعل مع الآخرين. 2- لكي يستشعر كل فرد منا بأهمية ما يملكه من قدرة على التواصل والكلام والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين. 3- لإبراز مدى أهمية التعرف على التوحد وصفاته وأهمية التعايش المشترك بين الأشخاص الطبيعين والأشخاص المصابين بالتوحد وذلك بالتمثيل بأحد سلوكيات حياة المسلم من خلال الصيام. مواجهة الوالدين: يتعين علينا ذكر ان أول من يواجه ويعايش هذا الصيام التوحدي هما الوالدان، فهل نستطيع أن نتخيل ما قد يمر به الأب والأم عندما يكتشفان أن ابنهما أو ابنتهما مصاب بالتوحد وما يعنيه صيامهما عن عالم الأطفال والأسرة والمجتمع. يجلب التشخيص بنتيجة التوحد للعديد من الأسر الإحساس بالفقدان العميق. حيث أن معظم الأسر قبل مرحلة التشخيص ليس لديهم خلفية عن ماهية التوحد وإمكانية الإصابة به، لذلك فإن معظم الأسر لا يكون لديها خيار إلا مواجهة التشخيص غير المتوقع بالمرور بخمس مراحل متتالية: 1- الإنكار: هو إحساس الوالدين أنه «من المستحيل» أن يحصل ذلك لطفلهما، والادعاء بأن التشخيص لم يحدث أو غير صحيح. فيكون هناك تهرب من الحقيقة من جرّاء هول الصدمة وغالباً ما يعانون من غياب عن الواقع ومن تخوف بالإفصاح عن مصابهم للآخرين. 2- الغضب: «لماذا طفلنا من دون الآخرين؟» قد يظهر الوالدان غضبهما وجزعهما بشكل مندفع وبشكل لا إرادي قد يفقدهما صوابهما والتحلي بالصبر وقوة الإيمان، وهناك من يكبح غضبه داخل نفسه مما يجعله في عزلة عن الآخرين مع إحساس كبير بالذنب. وقد يوجه البعض غضبه على الآخرين من حوله ومن ضمنهم اللجنة التي قامت بالتشخيص. 3- المساومة أو المقايضة: وهي محاولة محاربة وتهميش هذا الاضطراب من خلال التخطيط لما يمكن عمله أو ما يمكن تجنبه وفي أغلب الأحيان يتم اختيار برامج للعلاج، وأي قرار يتخذ عادة ما يرافقه تفكير المساومة «اذا اخترنا هذي الوسيلة فلا يتوجب علينا القيام بتلك» وهذه المرحلة قد تجلب معها اختلاف وجهات النظر بين الوالدين فيما يجب مقايضته. 4- الإحباط: في هذه المرحلة يمر الوالدان بحالة من الشعور بالذنب والعجز والحرج من المجتمع، فينجم عن ذلك إصابتهما بتوتر شديد وشعور بعبء المسؤولية التي ألقيت على عاتقهم. 5- القبول: وتأتي هذه المرحلة بصور متعددة لمختلف الأسر، فمنهم من يصل هذه المرحلة تدريجياًّ بعد معايشتهم لنمط حياة معينة لطفلهم المصاب ولمس التطورات والنتائج الايجابية جرّاء استخدام البرامج العلاجية ومن ثم تقبل التوحد كجزء من حياة العائلة. والبعض الآخر من الأسر تأتي مرحلة تقبلهم للتوحد عقب تفهم حالة طفلهم واستيعاب قدراته ومهاراته واحتياجاته مما يمكنهم من السيطرة على الوضع الحالي لهم ويجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع يواجههم من صعوبات. يستدعي الأمر في هذه المرحلة تكاتف الجهود لدعم الوالدين والأسر التي قد تمر بالمراحل المذكورة مسبقاً من خلال بذل الجهد لكي لا يمر الوالدان بتلك المراحل مرة أخرى أو يكون هناك تراجع من قبلهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعاون كل من حولهم من أقارب، وعائلات محيطة بهم، ومراكز أو مدارس، والاختصاصيين ومن ثم المجتمع ككل. ما بعد تقبل صيام التوحد: نستنتج من ذلك أننا لا نستطيع الحكم على الأشخاص المصابين بالتوحد بالصوم الأبدي عن المجتمع، إذ أن هناك سبلاً عديدة من شأنها أن تجعل من «عيد فطر التوحد» الجزئي مسألة وقت. حيث أنه تتوفر العديد من الطرق والوسائل العلاجية والتعليمية المستخدمة لتطوير قدرات الأشخاص المصابين بالتوحد والحد من تفاقم السلوكيات السلبية لديهم. لكن كل شخص أو طفل توحدي يختلف عن الآخر، فبعض الطرق والأساليب العلاجية قد لا تنجح مع البعض في حين أنها تحقق نجاحاً مع البعض الآخر. لذلك يجب دراسة حالة الشخص المصاب بالتوحد بصورة فردية ومن ثم تنسيق الأسلوب والخطة لتتناسب مع حاجات وقدرات وبيئة الشخص المصاب بالتوحد. ولا بد من لفت الانتباه إلى أن هناك بعض العوامل الأساسية التي تساهم بشكل كبير في إنجاح الخطة العلاجية: 1- تقبل المجتمع للأشخاص المصابين بالتوحد، وقد تكون هذه المرحلة الأخيرة من رحلة الوالدين من بعد التشخيص بالتوحد، ولكنها هنا تعتبر المرحلة الأولى في نجاح إخراج الشخص المصاب بالتوحد من عالمه. 2- توافق الخطة مع حاجات الشخص المصاب بالتوحد وقدراته واهتماماته واستعداده للتطور. 3- أن تكون الخطة واضحة الأهداف وذات رؤية زمنية تقضي بإيصال الشخص المصاب لدرجة الاعتماد على النفس. 4- واقعية الأهداف ومدى فاعليتها ودورها في تطوير وتحسين الحياة اليومية للشخص المصاب بالتوحد. 5- دعم ومشاركة الأهل والوالدين بشكل أساسي في تطبيق الخطة العلاجية وتعميمها خارج نطاق المركز والمدرسة. الشخص المصاب بالتوحد سيبقى شخصا صائما عن عالمنا ممتنعا لا إرادياً عن مشاركتنا الى أن يضع الوالدان لمراحل حزنهما نهاية ويتفهم المجتمع هذا الشخص ويتقاسم مع أسرته فرحة «عيد إفطاره» من «صيام التوحد» ولو بشكل جزئي سارة عبد الرحمن المرزوقي منسق وحدة العلاج الوظيفي والخدمات المساندة مركز دبي للتوحد [/B]

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3589 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 3911 0
خالد العرافة
2017/07/05 4513 0