0 تعليق
370 المشاهدات

سارة تقبل التحدي وتتغلب على الإعاقة



[B][COLOR=#0F0F0F]قصتها من الطفولة إلى الكلية –
حاورتها – زمزم بنت ناصر المعمرية –
سارة بنت سيف الهطالية طالبة بالكلية التقنية بالمصنعة تخصص تقنية معلومات تحدت إعاقتها وعاشت مرحلة الصراع وواجهت الصعوبات التي وقفت حائلا أمامها.. لم تستسلم للظروف ولم تحول دون طموحاتها لا نظرة شفقة ولا استحسان.. سقطت في ذاتها لتصنع لنفسها مكانة تليق بها ومكانة هي تستحقها وعن جدارة. كان لنا معها هذا الحوار كي نلقي المزيد من الضوء على تجربتها ونتعلم منها كيف واجهت التحديات بقوة وصلابة قد يعجز عن مواجهتها الأصحاء.
تقول سارة: ولدت وأنا من ذوي الإعاقة، هكذا رأيت نفسي في صغري لا أستطيع أن ألعب كما يلعب أقراني، ولا أجري مثلهم أو أشاركهم لهو الطفولة البريئة، لكنهم كانوا بالنسبة لي أطفالا مختلفين فقد شاركوني ألعابهم بأسلوبهم البريء. في طفولتي لم أكن منعزلة عن العالم الخارجي والفضل يعود إلى أهلي وخاصة أمي وأبي من بعد الله. وما زلت أذكر تلك الأيام التي كان أخي يدفع بي بالكرسي المتحرك لأطارد الأطفال وأمسكهم عند اللعب. وخلال هذه الفترة قمت بإجراء عملية جراحية لعل الله يمنّ عليّ بالشفاء ولكن قد باءت بالفشل.

ذكريات الدراسة

تقول الهطالية: كعادة الأطفال بكيت في أول يوم ذهبت فيه إلى مركز الوفاء والأمل، ولكن بعد ذلك اعتدت على الأطفال هناك وذلك بمساعدة مجموعة من النساء المتطوعات للعمل في المركز، حيث كن يؤدين عملهن بكل إخلاص وتفانٍ. وكنت أشارك في الحفل الختامي من كل عام، وحتى بعد أن التحقت بالمدرسة النظامية كنت أشارك في الحفل، وكنت أنا ومن معي ننشد ومجموعة من ذوي الإعاقة السمعية تترجم الأناشيد بلغة الإشارة، كما كنا نمثل في المسرحيات وكانت في قمة الإبداع، وفرقة أخرى تقوم بالألعاب البهلوانية والجمباز، فكان التدريب للحفل يبدأ قبل شهر، وكان والي الرستاق آنذاك يأتي بين فترة وأخرى ليرى سير عمل التدريبات. كانت الحفلات متميزة إلا أن لي تعليقا واحدا بأنهم كانوا يضعون الأصحاء لأخذ الأدوار الرئيسية في الحفل، مع أن المفترض أن تكون لذوي الإعاقة بالكامل. وعن أول تجربة لها على خشبة المسرح، تحدثنا قائلة: قبل خروجي للخشبة نظرت من خلف الستار وكان الحضور والشيوخ والأعيان وعلى رأسهم والي الرستاق آنذاك، فكان لبسهم للخناجر وبقبضتهم العصي ولبسهم يبعث على الهيبة، فدب الخوف إلى قلبي ولكن سرعان ما زال وبدأت أنشد.

معلمة لن أنساها

في عامها السابع خرجت سارة إلى عالم أوسع وذلك بالتحاقها بالمدرسة النظامية، وتسرد لنا من ذكرياتها آنذاك: التحقت بمدرسة عثمان بن مظعون، أذكر أنني أينما جلست تتحلق الطالبات حولي لينظرن إليّ، وذات مرة إحدى المعلمات قالت لهن موبخة: ابتعدن عنها. وهبني الله بمعلمة لن أنساها ما حييت وسأظل أعترف بفضلها مدى الحياة، فهي كأمي الثانية. من أهم الأحداث التي أذكرها أن معلمتي أرسلت لأبي رسالة وشرحت له أني أبكي طوال الوقت، وغير متأقلمة مع المجتمع المدرسي، وأعطتها أحد أقربائي الذي سلّمها لأختي، وقرأت الرسالة على مسمع من أهلي، كم شعرت حينها بالخجل من نفسي ودخلت إلى الغرفة وأغلقت الباب على نفسي بينما أختي ما زالت تقرأ الرسالة وبدأت في البكاء. ومن ذلك اليوم لم أبك في المدرسة، وازداد احترامي لمعلمتي لأنها خشيت على مصلحتي، فكانت من دوافع النجاح لي.
وتواصل الهطالية سرد أحداث تلك الفترة الزمنية من عمرها: ابنة عمتي أيضا من الأشخاص الذين لهم فضل عليّ، حيث كانت هي من يدفع كرسيي المتحرك، وتأخذني من وإلى صفي والحافلة حتى أنهت دراستها، جزاها الله عني خير الجزاء. ولا أنسى رفيقة دربي وكفاحي أمي، كانت هي من تنقلني إلى المدرسة بالسيارة عندما انتقلت إلى مدرسة قريبة، كانت في تلك الفترة المدارس غير مهيأة لمثل حالتي ولكن لم أهتم بهذا الأمر لأني كنت صغيرة وخفيفة الجسم ويستطيع أي شخص كبير حملي.

التحدي الأكبر

وعن التحدي الذي واجهها وكان كصخرة كبيرة أمامها كادت أن تكون حائلا دون إكمال دراستها تقول: في صيف 2003م خضعت لعملية جراحية وتعبت على إثرها كثيرا، فصرت وقتها لا أجلس، لا أتحرك، لدرجة هل سأكمل دراستي أم لا؟ كان وضعي صعبا جدا، كيف سأصعد إلى حافلة المدرسة؟ وكيف سأجلس على كرسي المدرسة من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الثانية ظهرا، وحينها لا أستطيع الجلوس. والكل يعلم بأنه لا توجد مدرسة خاصة لذوي الإعاقة، ولم تكن هناك استثناءات. ولم تكن في مدرستي دورات مياه مهيأة حينها لمثل حالتي، فكنت لا استخدم دورة المياه منذ خروجي من البيت إلى حين عودتي، كنت أصبر وأتحمل لأن الله رزقني بقوة التحمل، فبفضله استطعت الجلوس طوال فترة وجودي في المدرسة، وسخر لي من يحملني من وإلى الحافلة.
وأضافت الهطالية: دائما أغرق في التفكير كيف أتصرف في المدرسة؟ من سيأخذني؟ من سيدفع كرسيي المتحرك؟ وغيرها لأجد مدبر الكون دبر كل أموري، ويلهمني القوة والعزيمة للمواصلة وبإصرار.

فضل أمي وأبي

وعن دور الأسرة في التربية الدينية والاهتمام بكتاب الله، قالت الهطالية: لأمي وأبي فضل كبير في حثي على حفظ كتاب الله، ومداومة تلاوته، حيث كانت أمي تشجعني على الحفظ وتغمرها السعادة عندما أخبرها بأنني قررت المشاركة في مسابقة حفظ القرآن الكريم، وكان أبي هو من علمني التلاوة، وساعدني على الحفظ، ولا أنسى حلقات القرآن التي تجمعنا مع أبي، حيث كنا نتحلق لمدارسة القرآن الكريم ومراجعته، وكان – حفظه الله – يحفزنا على ختم القرآن الكريم كاملا في شهر رمضان، ومن لا ينهي ختمته لا يعطى عيدية.
أيضا كان للصحبة الصالحة دور في حياة سارة، حيث كانت كساعدها الأيمن في بث روح التفاؤل في نفسها وتشجيعها، وحول هذه الصاحبة تقول: تعرفت على صاحبتي وصديقتي أم عبدالله أثناء مسابقة حفظ القرآن الكريم، حيث أرادنا الله أن نجتمع على حفظ كتابه. فكانت الساعد الأيمن لي حيث تساعدني في كل شيء، فكانت تدفع كرسيي المتحرك وتشتري لي من الجمعية التعاونية (المقصف)، وتخرج بي إلى باحة المدرسة لنتجاذب أطراف الحديث، حتى عندما تم نقلها إلى مدرسة أخرى بقينا على تواصل بالهاتف. وتكمل الهطالية الثناء على صاحبتها أم عبدالله قائلة: ما ميز أم عبدالله أنها تعينني على الخير، ونتنافس في حفظ كتاب الله، ونذكر بعضنا بعضا بذكر الله. كثيرة هي الصعوبات التي تعرضت لها، فكانت دائما تثبتني وتذكرني بالله وأنه معي، وهي مستعدة لسماعي في أي وقت، ولم أشعر يوما أنها ملت من حديثي أو لا ترغب في سماعي، علمتني أن أشكو لله كل شيء، وأن الراحة بقربه.

أكبر إنجازاتي

وعن مواقف لا تنساها تحدثنا الهطالية قائلة: أكبر إنجاز لي في حياتي الدراسية عندما كنت بالصف الحادي عشر، حيث شاركت في مسابقة البحث العلمي على مستوى محافظة جنوب الباطنة وحصلت على المركز الثاني على مستوى المحافظة، كما حصل البحث على المركز الثالث على مستوى السلطنة، والشكر موصول لمعلمتيّ فوزية البحرية وبدرية العدوية وباقي معلمات اللغة العربية في مدرسة أروى بنت الحارث الثانوية حيث ساعدنني في الحصول على المراجع اللازمة للبحث. كما حصلت على المركز الأول في حفظ سورة يس.
وفي الصف الثاني عشر طمحت لدخول جامعة السلطان قابوس في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية تخصص علم اجتماع، وذلك لأني أريد أن أكون قادرة على تغيير حال ذوي الإعاقة. في ذلك العام انتشر فيروس إنفلونزا الخنازير فتأخر دخولنا إلى المدرسة، لذلك وضعت وزارة التربية والتعليم نظام الفصل الواحد كامل العام، أي أن يكون اختبارا نهائيا واحدا يشمل الفصلين الدراسيين. تخرجت بنسبة 85%.
وأضافت الهطالية معبّرة عن مشاعرها في يوم القبول خلال الفرز الأول: يوم 15 من شهر يوليو لا أنساه أبدا، بكيت يومها بكاء مرا، وما يجدي البكاء؟ لقد ضاع الحلم لم أنم يومها ولا الأيام التي بعدها بسبب الهم الذي أصابني، بعدها تحليت بالأمل بأنه سيتم قبولي في أي مكان بعد أن أيقنت بأني لن أدخل المكان الذي رغبت فيه. كانت خياراتي في التسجيل محدودة بسبب وجود شرط بعض الكليات غير مسموح لذوي الإعاقة، وكثيرا ما أتألم عندما أرى أنه يشترط أن يكون لائقا صحيا وبدنيا، بينما التخصص ليس به حرج لو التحق ذوو الإعاقة به مثل تخصص الدراسات التجارية وغيرها. وتكمل حديثها عن مأساتها بعد الفرز الأول: اتصلت بأحد المسؤولين بوزارة التعليم العالي فأتاني الرد كالصاعقة فقال لي بالحرف والكلمة: إنه لا يسمح لنا بدخول كليات العلوم التطبيقية بسبب عدم تهيئتها لذوي الإعاقة.. ما الذنب الذي اقترفناه نحن ذوي الإعاقة لكي نمنع من حقنا في مواصلة الدراسة العليا، نمنع من الدراسة فقط لأن الكليات غير مهيأة لذوي الإعاقة، نحن نطالب بتهيئة الجامعات والكليات لذوي الإعاقة حتى يتسنى لنا إكمال دراستنا العليا، لا تجعلونا ضحية الفراغ، الإعاقة ليست عذرا لنا من عدم مواصلة التعليم، نحن لدينا قدرات جبارة وتحتاج إلى من يستغلها.

القبول في التقنية

تم قبول سارة في الفرز الثالث، وتشرح الهطالية لحظة قبولها، وكيف كانت بدايتها في الكلية: زفت أختي لي البشرى بأنه تم قبولي في الكلية التقنية تخصص تقنية معلومات، غمرتني السعادة فصليت ركعتي شكر لله تعالى لن أنساهما طول عمري، بكيت يومها بكاء مرا، فكم من مرة أرى الدنيا أمامي حالكة السواد، وضاقت الأرض عليّ بما رحبت، لأجد ربي يبشرني جزاء لصبري. في أول أيامي في الكلية وكان في شهر يناير لم أواجه صعوبة في دراسة اللغة الإنجليزية وذلك لأن مبنى اللغة كان مهيأ، أما من حيث التنقل في بقية مرافق الكلية ومبانيها لم يكن متاحا لي بسبب عدم تهيئتها لمثل حالتي، ففي كل مكان أجد السلالم. وتكمل الهطالية حديثها عن الجهود التي بذلتها الكلية مراعاة لها قائلة: أبدى عميد الكلية السابق الدكتور حسن كشوب اهتماما واضحا لإعاقتي، فأمر فورا برفع علاوتي الشهرية، كما قامت الإدارة بإنشاء بعض المرافق التي ساعدتني في الوصول إلى الطوابق الأرضية للمباني الأخرى.

مجرد علامة وهمية!

لم تكن الإعاقة حائلا لسارة عن الخروج من البيت مع أهلها سواء كان داخل أو خارج السلطنة، ولكن ما تلبث الصعوبات إلا أن تقف أمامها في كل مكان، وتحدثنا الهطالية عن سفرها: من قال لك يا مجتمعي أن الإعاقة ستمنعني من السفر والخروج، فلم يكن أبي يفرّق بيني وبين إخوتي، حيث كان يأخذني مع إخوتي لزيارة عمي الذي يسكن في إحدى الدول الخليجية، كما أنني زرت مع إخوتي معظم ولايات السلطنة، وأيضا في صيف 2006م ذهبت لزيارة بيت الله الحرام. في أغلب أسفاري إن لم يكن الكل مشقة لا يفهمها إلا ذوو الإعاقة ومن يرافقهم وذلك بسبب عدم توفر المرافق العامة التي تعطي بعض الحرية للشخص المعوق. ومن ضمن المواقف التي حصلت لي، ذات يوم ذهبت إلى العاصمة للتسوق فحان وقت الصلاة فوجدت دورة مياه مرسوم عليها شعار بأنها لذوي الإعاقة ولكن كانت مجرد علامة فقط لا غير، أشعر أن هنا توجد مشكلة حقيقية يجب أن تعالج، وهي ليست صعبة بتكاتف المجتمع وأخذ المسألة بعين الاعتبار[/COLOR][/B]

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3609 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 3946 0
خالد العرافة
2017/07/05 4528 0