0 تعليق
1094 المشاهدات

الجنون والأمراض العقلية



الكاتب : وهبة محمد نور الدين

عندما كنت أنوي كتابة الجزء الثاني من تعريف المرض النفسي وأنواعه تذكرت مباشرة أغنية (عنبر العقلاء) في فيلم اسماعيل يس في مستشفى المجانين، وهذا المشهد حدث عندما كانوا في مستشفى الامراض النفسية عندما جاء اسم نيرون فقال الذي يقوم بالدور: «والنبي ناولوني الولاعة عاوز أولع روما بحالها انا مستعجل وعندي اذاعة عاوز اولع روما بحالها»!!

بالفعل نيرون اتهم بالجنون ويقال إنه هو من أحرق روما فعلا وانه كان يعاني من اضطرابات عديدة.

ولكن لاحظ عدم عدم تناسق الكلام أو تركيبه في الجملة السابقة وهذا أقرب مثال لتبسيط فكرة المرض العقلي أو ما يطلق عليه العامة «الجنون»، وهذا ما نريد أن نعرفه فلعلنا نبدأ في البداية بالسؤال الآتي:

هل يصل المرض النفسي إلى أن يقوم أحد بحرق مملكته كما فعل نيرون أو أن يقوم بعمل اشياء غير عادية تضره أو تضره غيره؟

الاجابة: نعم.

فهناك ما يسمى بالمرض العقلي أو الذهاني psychosis

والتعريف العلمي له « بأنه مصطلح أقرب إلى الترادف مع التعبير الشعبي الجنون فهو يشير إلى أشخاص تعساء ولكنهم خطرون وعديمو الفائدة وعادة ما يعجزون عن العمل والتكيف مع الحياة، اضطراباتهم حاسمة وخطرة وتمس التفكير والسلوك الاجتماعي أو المزاج أو كليهما» (ابراهيم ,2002)

وهذا يعني أن من نجدهم في الشارع من هؤلاء الأفراد الذين ترثي لحالهم وثيابهم وسلوكهم الغريب الذي يدعوك للخوف منهم هم من يطلق عليهم المرضى الذهانيين المصابين بالمرض العقلي mental illness.

وبشكل علمي لا توجد كلمة تسمى الجنون ولكن تنقسم الاضطرابات كما بينا إلى اضطرابات نفسية واضطرابات عقلية.

والمرض العقلي نجد أن سمات عديدة تميزه مثل:

 

  • السلوك الغريب والمفاجىء
 

  • غير مدرك للواقع الذي يعيشه فهو لا يعرف نحن في أي زمن أو أي عام هذا وكأن الزمن لديه قد فقد معناه وقد أصبحت ساعة الزمن لديه بلا عقارب.
 

  • غير مهتم بنظافته أو ثيابه فتجد أغلب هؤلاء المرضى العقليين غير مهتمين بلباسهم من الأساس ولعلك قد رأيت في أحد الشوارع من تنطبق عليه هذه الأوصاف من المرضى العقليين الذين لا يجدون أى مأوى لهم أو أي عناية.
 

  • غير مستبصر أو واعى بحالته فهو لا يدري ماذا يفعل أو لماذا يفعل هذا السلوك.
 

  • تصرفاته مفاجئة وقد تكون خطرة لدى البعض.
 

  • قد يكون لدى البعض هلاوس سمعية أو بصرية أي أي يرى أشياء أو يسمع أصواتا لا وجود لها إلا في عقله.

في المجمل يعني ذلك أنك تجدهم قد يحدثون أحداً غير موجود أو يسمعون أشياء لا أحد يسمعها إلا هم ولذلك قد تجد البعض منهم يدعي النبوءة ومنهم من يدعى أنه المهدي المنتظر ومقتنع جدا بهذه الفكرة، وتجدهم لا يستطيعون تكوين علاقات اجتماعية ولا صداقات.

ويندرج تحت هذه الفئة من الأمراض أنواع مثل:

ــ الفصام schizophrenia

ــ والهوس manic

ــ والاضطراب ثنائي القطب الذي يتراوح ما بين الهوس الشديد الذي يتمثل في الحركة الكثيرة والفرح والسرور والنشوة المبالغ فيها إلى الاكتئاب الشديد والبعض يطلق على هذا النوع اكتئاب ذهاني.

ولكن الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية DSM-IV الصادر عن جمعية الطب النفسي الامريكية American psychiatric association قد قسم الأمراض النفسية بطرق مختلفة وأدرجها تحت خمسة محاور:

 

  • الاضطرابات الاكلينيكية
 

  • اضطرابات الشخصية و«التخلف العقلي»
 

  • الحالات الطبية العامة
 

  • المشكلات النفسية والاجتماعية والوسط المعاش
 

  • التقييم الشامل للاداء الوظيفي للحالة.

لكن تقسيم الامراض النفسية إلى عصابية وذهانية لا زال البعض يعمل به ويعترف به..

وعلى كل لكي لا يختلط علينا الأمر فهناك فروق بين المرضى العصابيين والمرضى الذهانيين يضرب ببير داكو مثلا للتفرقة بين النوعين من الامراض، ويقول إنه إذا أصيب الشخص العصابي بهلوسة كأن يرى شيطاناً مثلا..

فما دام هو مدرك مدى خرافية هذه الهلوسة وأنها هلوسة ليست إلا فهو عصابي،

أما إذا اقتنع واعتقد فعلا أنه يرى الشيطان وباستمرار فهذا هو الذهاني.

على أي حال لو رجعت إلى فيلم اسماعيل يس في مستشفي المجانين يمكن ـ إذا جاز لنا ـ أن نقول إن اسماعيل يس كان مريضا عصابيا يعاني من بعض المشاكل لديه ولكنه يدرك أنها مشاكل ولا يرى أية هلاوس مثلما كان يرى من كانوا في المستشفى،.. فمنهم من كان يظن أنه عنترة ومنهم من كان يظن أنه نيرون ويتصرفون على هذا الاساس.

وإذا تكلمنا بمنطق علمي فنقول إن مريض العصاب مدرك أنه مريض ويدرك مدى حالته النفسية ومدى سوئها ويعرف الواقع ويفرق بينه وبين الخيال هو شخص يتعب نفسه بأفكاره وبضغوطه لكنه يستطيع التعامل مع الناس ويقيم علاقات حتى ولو كانت تختلف عن حالته قبل المرض قليلاً.

والعكس بالعكس مع المريض الذهاني…

والمرضى الذهانيون يعالجون ايضا مثلهم في ذلك مثل المرضى النفسيين ولكن علاج المرضى النفسيين قد يكون أسهل من ذوى الاضطرابات العقلية وذلك لأن المرضى العصابيين ـ وكلمة عصاب تطلق على المرضى النفسيين أي الذي يكون اضطرابهم نفسي المنشأ وليس بسبب اضطراب في كيمياء المخ أو خلل ما في المخ ـ تكون فترة علاجهم أقل وأكثر استجابة فمنهم من يحبط لأنه قد فشل في حياته ومنهم من يعاني ألم الحزن لفقده عزيز ومنهم من يعاني الوحدة وآخر يعاني القلق أو الخوف من المستقبل ومنهم من يعاني الخوف الشديد من بعض الحيوانات أو الحشرات أو المرتفعات أو الاماكن الضيقة.

ويكون العلاج نفسياً إلا في الحالات الشديدة فيكون العلاج النفسي مصحوبا بعقاقير وتكون له نتيجة ذات أثر ملموس في أغلب الحالات, أما المرضى الذهانيين «الذين يعانون من الاضطراب العقلي» فتكون استجابتهم ليست بسهولة المرضى العصابيين نظرا لعمق المرض والذي قد يكون سببه عضويا لخلل ما في المخ كما أن شخصيتهم في الغالب تكون مفككة وتحتاج لوقت طويل لإعادة هيكلتها إذا جاز التعبير أى «نلملمها» وتستخدم في علاجهم الجلسات الكهربائية التى تسمى علميا جلسات تنظيم ايقاع المخ والتي تختصر بالحروف ECT والتى ليست كما يتصورها البعض أنها عذاب فالمريض قبل الجلسة يخدر بشكل كامل لكى لا يشعر بأي ألم كما أن شدة التيار الكهربائي تكون محسوبة بالفولت وليست بمحض الصدفة أو مثلما تضع يدك في التيار الكهربائي العادي في منزلك الأمر ليس جزافا كما يصور لنا بعض الافلام ويقوم هذا النوع من العلاج بتنظيم ايقاع المخ على نظرية مفادها أن المخ يعطي الاوامر للجسم في شكل نبضات أو اشارات عصبية تشبه التيار الكهربائي الذي يسرى في السلك ويؤدي دور السلك في الجسم ما يسمى الناقلات العصبية التى تنقل هذه الاشارات وأن كل أمر في مخ الانسان يريد تنفيذه يرسل هذه الامر للجسم كله في شكل رسائل تحملها هذه النبضات العصبية إلى المكان المرسلة له وأنه إذا حدث خلل في هذه النبضات أثر ذلك على الانسان، لذلك يقول البعض إن الجلسات الكهربائية تنظم هذا الايقاع للمخ الذي يختل فيصيب الانسان بالمرض النفسي، وهناك أيضاً من يقول إن هذه التغييرات في الهرمونات والناقلات العصبية التى تحدثها الجلسات الكهربائية هى من يسبب العلاج بعد أن تنظم حركتها في الجسم.

ويتم العلاج بالصدمات الكهربائية عن طريق توصيل قطبين كهربيين على جانبي الدماغ وتمرير التيار عبر قشرة الدماغ إلى منطقة تسمى الثلاموس أو المهاد التحتاني في المخ التي تتسبب في هذه التغييرات, وهي عبارة عن ثوان معدودة من 3 إلى 5 ثواني تستمر فيها هذه الصدمة الكهربائية وقبل أن يقرر الجلسات الكهربائية للمريض يجب أن يقيم طبيب استشاري حالة العقاقير الذي تعطى للمريض ومدى جدواها فإذا لم تكن تعطي النتيجة المطلوبة يقرر حينئذ اعطاء المريض جلسات كهربائية ويتم فحص كامل لهذا المريض لكى لا تسبب له أية أضرار وهى من 6 إلى 20 جلسة حسب المرض وشدته ويقرر ذلك الطبيب المعالج.

وقصدت من هذا التوضيح لأحد أنواع العلاجات التي تستخدم في مجال الطب النفسي أن هناك تصورات خاطئة عن هذا المجال.

وهناك ما يسمى العلاج النفسي الذي قد يكون في شكل فردي،. المريض والمعالج فقط، أو بشكل جماعي معالج أو اكثر وعدد من المرضى وهناك العديد من المدارس العلاجية التى تختلف في طريقة العلاج النفسي لعلنا سنتعرف على بعضها وكيفية تطبيق ما توصلت اليه في حياتنا كأصحاء وليس كمرضى فقط لأن هذه النظريات في العلاج النفسى قامت من الأساس بدافع ايصال الإنسان أياً كان سليماً أو مريضاً إلى حالة طبيعية وتحقيق الصحة النفسية الجيده له.

هذا بالاضافة إلى العقاقير المختلفة التى تختلف تبعا لنوع المرضى النفسي.

ولعل البعض يتصور أن المرضى الذهانيين لا يمكن علاجهم أو لا يعطي نتيجة ملموسة ولكن لن أذكر هنا الأبحاث التي تمت والنتائج التي توصلت إليها في نسبة شفاء المرضى الذهانيين ولكن سأذكر فيلما اسمه العقل الجميل A beautiful mind وهو عن قصة حقيقية لأحد الأفراد أصيب بأحد الأمراض العقلية وهو الفصام وهو مرض يكون التفكير والشخصية مفككان والادراك مشوهاً وقد يسمع أصواتا لأشخاص لا وجود لهم أو يرى أشخاصا غير موجودين.

وكان بالفعل يسمع أصواتا عديدة غير كموجودة ويسمى هذا العرض هلاوس وكان جون ناش الشخص الحقيقي الذي يحكي هذا الفيلم قصته أحد الطلبة النابغين ووصل إلى أن أصبح محاضرا في الرياضيات بالجامعة وعانى من ألم المرض العقلي كثيرا وأثر ذلك على نبوغه وعبقريته التى كان معروفا بهما ولكنه بقوة إرادة وعزيمة تحدى هذا المرض.

وقد حصل جون ناش على جائزة نوبل في الاقتصاد لنظرية كان تسمى نظرية الألعاب التي تستخدم في السياسة والاقتصاد والاجتماع و قد قام ناش بتطويرها في الاقتصادوجعل مبدأ أن يكسب كل أطراف المباراة دون أن يخسر أي منهم ليكسب الآخر وقام باكتشاف معادلة أسماها باسمه: معادلة ناش Nash Equilibria ولذلك حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.

وهناك أشخاص آخرون تحدوا هذه الأمراض بعزيمة وقوة إرادة من حديد جعلتهم يتكيفون مع المرض, ولعل ناش لم يتخلص تماما من أعراض مرضه ولكنه تكيف معه بمعنى آخر صاحب الأعراض المرضية… ولا تستغرب فالانسان لديه العديد من الملكات الربانية التى لم يصل إليها كلها ويعيش دائما لاكتشافها.

سوف نستعرض في المواضيع القادمة نظريات نفسية وطرقاً علاجية بشكل مبسطة ونستعرض بشكل يسهل فهمه ما نرى أنه ذو فائدة عملية في حياتنا اليومية.

 

 

المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3564 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 3884 0
خالد العرافة
2017/07/05 4490 0